مخلوقات أسطورية يُعتقد أنها مجرد خيال. لكن ما يجعل الفيلم أكثر إثارة للاهتمام هو استكشافه للعلاقة المعقدة، والتي غالبًا ما تكون متشابكة، بين هذه المخلوقات الأسطورية والصيادين الذين يبحرون في البحار نفسها. وقد كشف الفيلم، الذي أنتجه فريق من علماء الأحياء البحرية والمؤرخين وصناع الأفلام، عن حكايات اجتماعية واكتشافات جديدة قد تعيد كتابة تاريخ علاقة البحار بالبحر.

لطالما كانت حوريات البحر موضوعًا للأساطير والخرافات حول العالم، بدءًا من حكايات البحارة في اليونان القديمة وصولًا إلى قصص ساحل الكاريبي. وكثيرًا ما صُوّرت حوريات البحر كمخلوقات جميلة ذات ذيول سمكية، واعتُبرت في آنٍ واحدٍ صائداتٍ وناقلاتٍ للمتاعب، يأسرن الصيادين بذيلهن، ويقودنهم إلى مصيرٍ مميت. إلا أن الفيلم الوثائقي يُجادل بأن هذه القصص ليست محض خيال. من خلال المقابلات مع الصيادين، وتحليل التحف الفنية، ولقطات من المياه العميقة، يقدم الفيلم أدلة تشير إلى وجود أنواع بحرية ذكية، تشبه حوريات البحر في الأساطير.
من بين أكثر الاكتشافات إثارة للدهشة فيديو صُوّر قبالة ساحل بوليبيزيا، حيث رُصد مخلوق بشري ذو ذيل قارب يتفاعل مع سمكة. قام العلماء المشاركون في المشروع بتحليل اللقطات، وافترضوا أن هذا المخلوق قد يكون من نوعٍ سابقٍ، ربما نوعٌ مختلفٌ عن المحار أو الدلافين، ولكنه يتمتع بخصائص جسدية وسلوكية متشابهة. يشير الفيلم الوثائقي إلى أن هؤلاء “الحوريات” قد طوروا ذكاءً متقدمًا، مما يسمح لهم بالتواصل وحتى التعاون مع البشر في بعض الظروف.
لكن جوهر الفيلم الوثائقي يكمن في العلاقة بين حوريات البحر والصيادين. يروي فنانو الخرائط الساحلية والصيادون تجاربهم مع هذه المخلوقات، ويصفونها بلحظات من التعاون المتبادل. على سبيل المثال، روى صياد من عائلة فيليبي قصة عائلية عن حورية بحر أرشدت جده إلى منطقة صيد خلال فترة من العزلة، فأنقذت القرية من المجاعة. ومع ذلك، لم تكن جميع التفاعلات سلمية. ويتحدث بعض الصيادين في كوروول وإبجلاد عن قطع حيواناتهم أو سحب قواربهم إلى البحر بطريقة غامضة، وينسبون هذه الجرائم إلى حوريات البحر النباتية التي تحمي أراضيهم البحرية.
يستكشف الفيلم الوثائقي أيضًا تأثير الخرائط الحديثة على موائل هذه الحوريات المزعومة. التلوث، والصيد الجائر، وتغير المناخ، كلها عوامل تُدمر النظم البيئية البحرية، وتُجبر هذه المخلوقات على تغيير سلوكياتها. أشار بعض علماء الأحياء البحرية الذين أُجريت معهم مقابلات في الفيلم إلى أنه إذا كانت الحوريات موجودة بالفعل، فقد تكون على شفا الانقراض، وهو ما يُفسر ندرة رؤيتها. يثير هذا سؤالًا مُحيّرًا: هل تُدمر الحياة البرية أعظم مخلوقاتها دون أن نُدرك ذلك؟
كان رد الفعل العام هائلاً. انتشرت منصات مثل X، ووسوم مثل #SireпsExist و#MysteriesOfTheSea، بشكل واسع، حيث شارك آلاف المستخدمين نظرياتهم وذكرياتهم عن قصص عائلية مرتبطة بالبحر. بينما يطالب بعض المتشككين بأدلة أكثر واقعية، مثل العينات البيولوجية، يرى آخرون أن الوثائقي دعوة لإعادة النظر في علاقتنا بالمحيطات. ربما يبعث كتاب “حقائق الأعماق المخفية ” حياة جديدة في أسطورة البحر، ولكنه يذكّرنا أيضًا بأن البحر، مع أسراره التي لا يمكن فهمها، لا يزال لديه الكثير ليعلمنا إياه.